تتعدد مواجهات الفرق المختلفة بالمنافسات الرياضية وتظل مواجهات فرق المدينة الواحدة هي الأكثر متباعة إعلاميا بالإضافة لأهميتها جماهيريا، وعادة لا تعتمد على أي مؤشرات فنية للتنبؤ بالفائز نظرا لخصوصيتها النابعة في الغالب من عوامل ليس لها علاقة البتة بالرياضة. تاريخيا يرجع أصل تسمية الديربي، إلى مدينة ديربي الانجليزية، حيث كان يتواجد ثريان يقيمان سباقات للجياد، و مع مرور الوقت أصبحت كلمة ديربي تدل عن مبارة بين فريقين من مدينة واحدة، إلى أن أصبحت مرادفا للمباراة الرياضية التي تجمع فريقين من منطقة جغرافية واحدة، سواء ناديين من نفس المدينة، أو منتخبين من نفس الجهة القارية. بالنسبة للديربي البيضاوي بإسهاب لحياة الأب جيكو و التي من خلالها نفهم أن " التونسي" كان أصل الحكاية أولا بمشاركته مع مجموعة من الوطنيين في تأسيس فرع كرة القدم لوداد الأمة سنة 1937 و تانيا بالتحاقه بفريق الرجاء سنة 1956 و هو ما شكل ميلاد هذا الأخير الفعلي سبع سنوات بعد ولادته الرسمية في أحضان العمل النقابي للحركة الوطنية. وداد الأمة سكنت في قلب "العبقري المنسي" كما سميناه أما عقله فكان كله مشغول برجاء الشعب.
ديربي الغد تترقبه الجماهير البيضاوية على اختلاف ميولها منذ مدة حيث ستعود الإثارة كما استمرت لمدة 57 سنة و كما كانت منذ أول مبارة أجريت بين الفريقين في خريف سنة 1957 بملعب "فيليب" حيث تفوق الأخضر الذي كان يقوده قاسم قاسمي، المدرب السابق للوداد، على الأحمر بهدف يتيم من توقيع اللاعب " الوجدي" في مرمى حارس الوداد "رفقي" من قذفة صاروخية (35 متر). فريق الوداد رد الدين خلال تاني مباراة جمعت الفريقين بتحقيقه لفوز ساحق (3 ـ 0).
إذا كان استحضار الماضي ضروري في التحليل الرياضي فالمعرفة لا تعرف كما يقال و الظرفية الحالية مازالت تؤكد أن الديربي الكلاسيكي لمدينة الدار البيضاء ما زال يسمح لكرتنا بالظهور المشرف على المستوى الدولي باحتلاله للمرتبة التانية إفريقيا و عربيا في تصنيف موقع "فوتبول ديربي" المختص في هذا المجال و بتجاوزه لدربيات عالمية كدربي مدريد بين الريال و الأتليتيكو و ديربي مانشستر بين اليونايتد و السيتي و ديربي لندن بين الأرسنال و توتنهام و ديربي ليفربول و إفرتون.
مباراة الغد لها إذن من المقومات ما يجعلها تشكل حدثا رياضيا بامتياز سيغلب عليه لا محالة و كما سلف الذكر الندية و الإِثارة ، و التنافس الرياضي المحض، والتزام جماهير الفريقين بالتشجيع السليم في إطار نوع من الوعي الرياضي حتى لا تكون كرتنا وسيلة للتعصب الجماهيري الخاطئ.
كرويا، حساسية المباراة وأهميتها ستجعل الويلزي توشاك يدخلها كأول ديربي له بحسابات فنية تختلف شكلا و مضمونا عن أي مباراة أجراها فريقه هذا الموسم. أما الرجاء فسيدخل المباراة بأمل الفوز والفوز فقط فالبرتغالي روماو الذي خبر أجواء الدربي يعلم جيدا أن تلك النتيجة هي الوحيدة التي ستبقي حظوظه قائمة في الرجوع إلى المنافسة على بطولة هذا الموسم و تشكل معنويا انطلاقته الحقيقية و في نفس الوقت تضمن له تعطيل مسيرة المنافس وليس الخصم لأن الخصومة بين الوداد والرجاء غير موجودة. انتصار الرجاء سيجعل منه المنافس الأقوى للوداد على لقب البطولة لكن ذلك سيشكل نوع من الضغط السيكولوجي الإضافي على النسور الخضر المطالبين بالدفاع عن مرماهم أولا ثم التسجيل ثانيا ثم المحافظة على التقدم إن حدث وتقدموا و هو ما يجعل المهمة صعبة خاصة إذا أخدنا بعين العتبار المستوى الجيد الذي ظهر به الوداد منذ بداية الموسم. حسابات المدربين ستحول إذن المباراة إلى معركة كروية داخل رقعة الملعب المستفيد منها من سيتابعها سواء من المدرجات أو من خلال التلفاز و المؤكد أن الروح القتالية والهدوء والتركيز والاستثمار الجيد للفرص السانحة للتسجيل ستحدد الفائز في المباراة.
في الأخير قيمة الحدث تدفعنا إلى طرح مجموعة من الأسئلة مثل هل يستفيد الفريقان من الزخم الإعلامي للدربي تجاريا؟ هل قيمة الحدث تسمح لهما بترويج أحسن لمنتجاتهما الأصلية؟ أظن أنه حان الوقت لترسيخ ثقافة و فكر ما يسمى ب"تجربة يوم المباراة" بعد مرورنا إلى مرحلة الاحتراف لأن ذلك من شأنه أن يدعم مناعة فرق الصفوة ماديا وسيمكن من تقريب الجماهير من فرقها فشراء مشجع لمنتج أصلي لفريقه سيجعل منه مشاركا لو بطريقة غير مباشرة في رسم الطريق الذي سيسلكه هذا الفريق.
إرسال تعليق